بسم الله الرحمـن الرحيم
إن
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،
وأشهد أن لا إلـه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أما بعد :
يقول الله تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (الرعد:11)
من
المعلوم أنَّ الله تعالى خلق هذا الكون وبما فيه من سماوات ذات أبراج
أراضين ذات فجاج وما بينهما من نجوم وأبراج ، ومن جنة ونار إلى غير ذلك من
خلق الله تعالى مالا يعلمه إلا الله { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير }
وهذا كله من عظيم قدرة الله سبحانه وتعالى ، و من بديع صنعه إنه عليم حكيم
، وسنَّ سبحانه وتعالى في خلقه سنن كونية ، وجعلها سنن ثابتة لا تتغير ولا
تتبدل ، سنة الله في خلقه { ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا } مثال
ما أخبر به سبحانه وتعالى أن ما كان من قبل السنن كالطعام يشبع والماء
يروي والنار تحرق والحديد يقطع لا يبدله تعالى بل يبقي كذلك لأنه مبني على
أساس الحكم التشريعية ، وكذلك من سنة الله في خلقه ما جاء في قوله تعالى :
(ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا) يقول
عز وجل مبشرا لعباده المؤمنين بأنه لو ناجزهم المشركون لنصر الله رسوله
وعباده المؤمنين عليهم ولانهزم جيش الكفر فارا مدبرا لا يجدون وليا ولا
نصيرا لأنهم محاربون لله ولرسوله ولحزبه المؤمنين ثم قال تبارك وتعالى (سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا)
أي هذه سنة الله وعادته في خلقه ما تقابل الكفر والإيمان في موطن فيصل إلا
نصر الله الإيمان على الكفر فرفع الحق ووضع الباطل كما فعل تعالى يوم بدر
بأوليائه المؤمنين نصرهم على أعدائه من المشركين مع قلة عدد المسلمين
وعددهم وكثرة عدد المشركين وعددهم 0
وجعل الله تعالى من سننه الثابتة والتي لا تتغير ولا تتبدل ، ما جاء في قوله تعالى :
{
فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ
عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } (طـه 23 1 – 124 )
لما
خلق الله الخلق خلقهم على الفطرة وهي توحيد الخالق جلَّ وعلا في علاه ،
وأرسل لهم رسلاً مبشرين ومنذرين ، ووعدهم الله تعالى وسنَّ عليهم سننه ،
وإنَّ من سننه سبحانه أنه من اتبع هداه وهو ما بعث به الرسل فلا يضل ولا
يشقى " أي في الدنيا والآخرة " ومن أعرض عن الذكر وهي الكتب والصحف التي
أنزلها الله على الرسل وتولى عنها ، فإن له معيشة ضنكا ، أي ضيقة تضيق بها
نفسه فلم يشعر بالغبطة والسعادة وان اتسع رزقه ، هذا في الدنيا ، وفي
الحياة البرزخية يضيق عليه قبره ويشقى فيه طيلة مكثه فيه ، وفي الآخرة
يحشره الله تعالى أعمى والعياذ بالله .
أخي في
الله اعلم وإنَّ من سنن الله تعالى التي سنها وأجراها على خلقه ، أن جعل
المعاصي سبب كل عناء ، وطريق كل تعاسة وشقاء ، ما أحلَّت في ديار إلا
أهلكتها ، ولا فشت في مجتمعات إلا دمَّرتها وأزالتها ، وأما أهلك الله تعال
أمة من الأمم إلا بذنب ، وما نجا وتاب إلا بتوبة وطاعة ، فإنَّ ما أصاب
الناس من ضر وضيق في كل مجال من المجالات فردياً كان أو جماعياً ، هو بسبب
معاصيهم وإهمالهم لأوامر الله عز وجل ونسيانهم شريعته .
وكتاب
الله تعالى خير شاهد ، فقد عمَّ قوم نوح الغرق ، وأهلكت عاداً الريح
العقيم ، وأخذت ثمود الصيحة ، وقُلِبَت قرى قوم نوح عليهم ، قال سبحانه
وتعالى
: { فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ
حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ
خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }
(العنكبوت:40)
إنَّ
أضرار المعاصي ، وشؤم الذنوب عظيم وخطير ؛ فهي موجبة للذل والحرمان ،
جالبة للصد عن سبيل الرحمـن ، تورث الهوان ، هكذا قضى الملك الديان ،
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ((
يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم
تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي
لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا
بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا
القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله
إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم
أئمتهم بكتاب الله تعالى ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم )) رواه ابن ماجه واللفظ له والبزار والبيهقي وهو صحيح .
و عن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما اختلج عرق و لا عين إلا بذنب و ما يدفع الله عنه أكثر )) صحيح الجامع الصغير
إذاً فالمعصية جعلها الله سبحانه وتعالى سبب كل شقاء وبلاء ، كما جعل الله تعالى الطاعة سبب كل رخاء وهناء ،
فالمعصية إذاً تزيل النعم وتحل النقم . فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ، ولا حلَّ فيه نقمة إلا بذنب . قال سبحانه وتعالى { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }
عن
معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : (( ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفر الله تعالى عنه به
من سيئاته )) صحيح السلسلة. وعن الحسن البصري ، عن عمران بن حصين رضي الله
عنه قال دخل عليه بعض أصحابه وقد كان ابتلي في جسده فقال له بعضهم إنا
لنبأس لك لما نرى فيك قال فلا تبتئس بما ترى فإن ما ترى بذنب وما يعفو الله
عنه أكثر ثم تلا هذه الآية (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو
عن كثير) و عن الضحاك قال ما نعلم أحدا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ
الضحاك (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) ثم يقول
الضحاك وأية مصيبة أعظم من نسيان القرآن .وقال تعالى : {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً } (النساء:123)
وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (الرعد:11)
يخبر
الله تعالى عن سنة من سننه في خلقه ماضية فيهم وهي أنه تعالى لا يزيل نعمة
أنعم بها على قوم من عافية وأمن ورخاء وصفاء ورغد وعيش بسب إيمانهم وصالح
أعمالهم ، حتى يغيِّروا ما بأنفسهم
بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر أو من الطاعة إلى المعصية أو من شكر نعم
الله إلى البطر بها فيسلبهم الله إياها عند ذلك ، ومقابل ذلك إذا غيَّر
العباد ما بأنفسهم من المعصية فانتقلوا إلى طاعة الله غيَّر الله عليهم ما
كانوا فيه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة .
وقال
أيضاً :{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً
أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }
(لأنفال:53) إشارة إلى ما أنزل الله من عذاب على الأمم المكذبة الكافرة
الظالمة ، وإلى بيان سنته في عباده وهي أنه تعالى لم يكن من شأنه أن
يغيِّر نعمة أنعمها على قوم كالأمن والرخاء ، أو الطهر والصفاء حتى يغيروا
هم ما بأنفسهم بأن يكفروا ويكذبوا ، أو يظلموا أو يفسقوا ويفجروا ، وعندئذٍ
يغير تلك النعم بنقم فيحل محل الأمن والرخاء الخوف والغلاء ومحل الطهر
والصفاء الخبث والشر والفساد هذا إذا رحمهم الله ولم يأخذهم بالإبادة
الشاملة والاستئصال التام . قال صلى الله عليه وسلم : ((ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ، هم أكثر وأعز ممن يعمل بها ، ثم لا يغيرونه إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب)) ( 3353 ) ( الصحيحة )
وعن جرير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "" ما
من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا
يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا "" . حديث حسن
وعن ابن مسعود رضي الله عنه ذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه ما ظهر في قوم الزنا أو الربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله
رواه أبو يعلى بإسناد جيد وحسنه الألباني .
-وجاء
في شرح العقيدة الطحاوية تحقيق الألباني "ولا ندعوا عليهم – أي الحكَّام -
ولا ننزع يدا من طاعتهم . وقد ذكر الشارح في ذلك أحاديث كثيرة تراها مخرجة
في كتابه ، ثم قال: "" وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا ، فلأنه يترتب على
الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم ، بل في الصبر على
جورهم تكفير السيئات فإن الله ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا ، والجزاء
من جنس العمل ، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة ( ا ) وإصلاح العمل .
قال تعالى: ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) [ الشورى: 30 ] ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) [ الأنعام: 129 ] فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم فليتركوا الظلم .
قلت: - أي قول الألباني
- وفي هذا بيان لطريق الخلاص من ظلم الحكام الذين هم "" من جلدتنا
ويتكلمون بألسنتنا "" وهو أن يتوب المسلمون إلى ربهم ، ويصححوا عقيدتهم ،
ويربوا أنفسهم وأهليهم على الإسلام الصحيح ، تحقيقا لقوله تعالى: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
[ الرعد: 11 ] ، وإلى ذلك أشار أحد الدعاة المعاصرين ( اا ) بقوله: ""
أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم ، تقم لكم على أرضكم "" . وليس طريق الخلاص
ما يتوهم بعض الناس ، وهو الثورة بالسلاح على الحكام . بواسطة الانقلابات
العسكرية ، فإنها مع كونها من بدع العصر الحاضر ، فهي مخالفة لنصوص الشريعة
التي منها الأمر بتغيير ما بالأنفس ، وكذلك فلا بد من إصلاح القاعدة
لتأسيس البناء عليها ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) [ الحج: 40 ] .
وعن
معاذ رضي الله عنه قال أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات
فذكر منها : (( وإياك والمعصية فإن بالمعصية حل سخط الله )) حسن أنظر صحيح
الترغيب والترهيب .
ونستخلص مما سبق أنَّ بالمعاصي تزول النعم وتحل النقم وبالتوبة واتباع هدى الله
يحل الرخاء والهناء وتعم النعم ويرفع الغلاء والوباء والسخط والنقم .
وفي هذا يتجلَّى قول الحق تبارك وتعالى:{فَمَنِ
اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} (طـه:123) {وَمَنْ أَعْرَضَ
عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْمَى } (طـه:124)
والأمثلة على ذلك كثيرة فأمثلة الأعراض عن ذكر الله نذكر منها :
فعن
زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا
يقول : (( لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم
يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بين أصبعيه الإبهام والتي تليها فقلت يا رسول
الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث ))
رواه البخاري ومسلم .
ومثال الإعراض كذلك ، قوله صلى الله عليه وسلم (( إذا تبايعتم بالعينة و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم )) رواه أبو داود عن ابن عمر ، أنظر صحيح الجامع الصغير .
وما
نرى من حالة الذل التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم والهوان من تسلط أذل
وأحقر أمة وجدت على وجه الأرض من اليهود إخوان القردة والخنازير ، ومن
أمريكان وإنكليز صليبيين حاقدين ومن شيوعيين ملحدين ومن عباد البقر الهندوس
النجسين إلا كان سبب ذلك المعاصي التي وقت بها الأمة الإسلامية ، من أكل
للربى وسفك للدماء وعقوق الوالدين وقطع الأرحام والزنى وأكل مال اليتيم
والسرقة وأخذ الرشوة وانتشار شهادة الزور والغيبة والنميمة والظلم للآخرين
وأكل الحقوق بالباطل وترك الصلاة وعدم إيتاء الزكاة إلى غير ذلك، فبهذا كله
أحلوا بأنفسهم عذاب الله تعالى وخير شاهد على الحديث الذي ذكرناه آنفاً هو
واقع الأمة اليوم والذي لم ولن يتغير إلا بالتوبة إلى الله تعالى والعودة
الصحيحة لهذا الدين العظيم
وهذه سنة الله في خلقه {
إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا
بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ
وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ } (الرعد:11)
ومثال
الإعراض كذلك ، ما أخبرنا به الحق جل وعلا في علاه من أخبار الأمم السابقة
والتي أعرضت عن أمر الله فأحلت بنفسها عذاباً من الملك الجبار ، نذكر منها
ما جاء في قصة سبأ من قوله تعالى : {لَقَدْ
كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ
كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ
وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ
وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ
وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيل * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ
ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيل * ذَلِكَ
جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ *
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً
ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ
وَأَيَّاماً آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا
وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ
كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ سـبأ:
15- 19 )
كانت
سبأ ملوك اليمن وأهلها وكانت منهم بلقيس صاحبة سليمان عليه الصلاة والسلام
من جملتهم وكانوا في نعمة وغبطة في بلادهم وعيشتهم واتساع أرزاقهم وزروعهم
وثمارهم وبعث الله تبارك وتعالى إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه
ويشكروه بتوحيده وعبادته فكانوا كذلك ما شاء الله تعالى ثم أعرضوا عما
أمروا به فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد أن الله عز وجل لما أراد
عقوبتهم بإرسال العرم عليهم بعث على السد دابة من الأرض يقال لها الجرذ
نقبته فانهار عليهم وجاءت أيام السيول صدم الماء البناء فسقط فانساب الماء
في أسفل الوادي وخرب ما بين يديه من الأبنية والأشجار وغير ذلك ونضب الماء
عن الأشجار التي في الجبلين عن يمين وشمال فيبست وتحطمت وتبدلت تلك الأشجار
المثمرة الأنيقة النضرة كما قال الله تبارك وتعالى (وبدلناهم بجنتيهم
جنتين ذواتي أكل خمط) وهو الأراك وأكلة البربر (وأثل) وهو الطرفاء وقوله
(وشيء من سدر قليل) لما كان أجود هذه الأشجار المبدل بها هو السدر قال
(وشيء من سدر قليل) فهذا الذي صار أمر تينك الجنتين إليه بعد الثمار
النضيجة والمناظر الحسنة والظلال العميقة والأنهار الجارية تبدلت إلى شجر
الأراك والطرفاء والسدر ذي الشوك الكثير والثمر القليل وذلك بسبب كفرهم
وشركهم بالله وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل ولهذا قال تعالى (ذلك
جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور) أي عاقبناهم بكفرهم قال مجاهد ولا
يعاقب إلا الكفور وقال الحسن البصري صدق الله العظيم لا يعاقب بمثل فعله
إلا الكفور . وجاء
كذلك من قوله تعالى عن الأمم السابقة والتي أخذها الله بذنوبها ما أخبرنا
عنه سبحانه وتعالى عن أصحاب الجنة ،- أي البستان والذي منعوا أصحابه أن
يعطوا منه الحق المعلوم للسائل والمحروم ، قال تعالى : {
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ
أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ
عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ
كَالصَّرِيم * فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ
إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لا
يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ
قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّون * * بَلْ
نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا
تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ *
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا
إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً
مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ * كَذَلِكَ الْعَذَابُ
وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }
هذا
مثل ضربه الله تعالى لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة
وأعطاهم من النعمة الجسيمة وهو بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إليهم فقابلوه
بالتكذيب والرد والمحاربة ولهذا قال تعالى (إنا بلوناهم) أي اختبرناهم
(كما بلونا أصحاب الجنة) وهي البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه
(إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين) أي حلفوا فيما بينهم ليجذن ثمرها ليلا لئلا
يعلم بهم فقير ولا سائل ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقوا منه بشيء (ولا
يستثنون) أي فيما حلفوا به ولهذا حنثهم الله في أيمانهم فقال تعالى (فطاف
عليها طائف من ربك وهم نائمون) أي أصابتها آفة سماوية (فأصبحت كالصريم) قال
ابن عباس أي كالليل الأسود (فتنادوا مصبحين) أي لما كان وقت الصبح نادى
بعضهم بعضا ليذهبوا إلى الجذاذ أي القطع (أن اغدوا على حرثكم إن كنتم
صارمين) أي تريدون الصرام قال مجاهد كان حرثهم عنبا (فانطلقوا وهم
يتخافتون) أي يتناجون فيما بينهم بحيث لا يسمعون أحدا كلامهم ثم فسر الله
سبحانه وتعالى عالم السر والنجوى ما كانوا يتخافتون به فقال تعالى
(فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين) أي يقول بعضهم
لبعض لا تمكنوا اليوم فقيرا يدخلها عليكم قال الله تعالى (وغدوا على حرد)
أي قوة وشدة (قادرين) أي عليها فيما يزعمون ويرمون (فلما رأوها قالوا إنا
لضالون) أي فلما وصلوا إليها وأشرفوا عليها وهي على الحالة التي قال الله
عز وجل قد استحالت على تلك النضارة والزهرة وكثرة الثمار إلى أن صارت سوداء
مدلهمة لا ينتفع بشيء منها فاعتقدوا أنهم قد أخطأوا الطريق ولهذا قالوا
(إنا لضالون) أي قد سلكنا إليها غير الطريق فتهنا عنها قاله ابن عباس وغيره
ثم رجعوا عما كانوا فيه وتيقنوا أنها هي فقالوا (بل نحن محرومون) أي بل هي
هذه ولكن نحن لا حظ لنا ولا نصيب (قال أوسطهم) قال ابن عباس أي أعدلهم
وخيرهم (ألم أقل لكم لولا تسبحون) قال مجاهد (لولا تسبحون) أي فهلا تسبحون
الله وتشكرونه على ما أعطاكم وأنعم به عليكم (قالوا سبحان ربنا إنا كنا
ظالمين) أتوا بالطاعة حيث لا تنفع وندموا
واعترفوا
حيث لا ينجع ولهذا قالوا (إنا كنا ظالمين * فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون)
أي يلوم بعضهم بعضا على ما كانوا أصروا عليه من نفع المساكين من حق الجذاذ
فما كان جواب بعضهم لبعض إلا الاعتراف بالخطيئة والذنب (قالوا يا ويلنا
إنا كنا طاغين) أي اعتدينا وبغينا وطغينا وجاوزنا الحد حتى أصابنا (عسى
ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون) .
وكان
أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة وكانوا من أهل الكتاب وقد كان أبوهم يسير فيها
سيرة حسنة فكان ما يستغل منها يرد فيها ما تحتاج إليه ويدخر لعياله قوت
سنتهم ويتصدق بالفاضل فلما مات وورثه بنوه قالوا لقد كان أبونا أحمق إذ كان
يصرف من هذه شيئا للفقراء ولو أنا منعناهم لنوفر ذلك علينا فلما عزموا على
ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم فأذهب الله ما بأيديهم بالكلية رأس المال والربح
والصدقة فلم يبق لهم شيء قال الله تعالى (كذلك العذاب) أي هكذا عذاب من
خالف أمر الله وبخل بما أتاه الله وأنعم به عليه ومنع حق المسكين والفقير
وذوي الحاجات وبدل نعمة الله كفرا (ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) أي
هذه عقوبة الدنيا كما سمعتم وعذاب الآخرة أشق .
وجاء أيضاً من قوله تعالى : {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ
أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً *
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً
وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ
لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ
نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ
أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً
وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً *
قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ
مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَكِنَّا هُوَ
اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ
جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ
تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً * فَعَسَى رَبِّي أَنْ
يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ
السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً
فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً *وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ
يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى
عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً
*وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ
مُنْتَصِراً { (الكهف:32- 43)
في مقابل ذلك – إنَّ الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم –
جاء وعد الله لمن اتبع هداه أنه لا يضله ولا يشقيه بل يفتح عليه من الخير الشيء الكثير والذي لا يعلمه إلا الله ، قال تعالى : {
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ } (النور:55)
وقال تعالى
: { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ
عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ
وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ
وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } (الحج: 40- 41 ) .
ومما
جاء من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ما رواه الترمذي
عن ابن عباس قال كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : ((
يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت
فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن
ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك
بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك الأقلام وجفت الصحف ))قال هذا
حديث حسن صحيح .
وفي رواية فقال : (( يا فتى ألا أهب لك ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن احفظ الله يحفظك – أي احفظ أوامر الله تعالى عليك وانتهي بنهيه يحفظك سبحانه
-احفظ الله تجده أمامك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله
وأعلم أنه قد جف القلم بما هو كائن واعلم بأن الخلائق لو أرادوك بشيء لم
يردك الله به لم يقدروا عليه واعلم أن النصر مع الصبر وان الفرج مع الكرب
وأن مع العسر يسرا ))
وقد
بيَّن لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث مثال بعض من حفظهم
الله تعالى بحفظه بعد أن بادروا هم بحفظ أوامر الله تعالى لهم .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((
بينا رجل في فلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة اسق حديقة فلان فتنحى ذلك
السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء
كله فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقة يحول الماء بمسحاته فقال له يا عبد
الله ما اسمك قال فلان للاسم الذي سمع في السحابة فقال له يا عبد الله لم
سألتني عن اسمي
قال
سمعت في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها
قال أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا
وعيالي ثلثه وأرد ثلثه )) رواه مسلم
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذكر رجلا من
بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال ائتني بالشهداء
أشهدهم فقال كفى بالله شهيدا قال فائتني بالكفيل قال كفى بالله كفيلا قال
صدقت فدفعها إليه إلى أجل مسمى فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركبا
يركبه ويقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركبا فأخذ خشبة فنقرها فأدخل
فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبها ثم زجج موضعها ثم أتى بها البحر فقال
اللهم إنك تعلم أني تسلفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت كفى بالله
كفيلا فرضي بك فسألني شهيدا فقلت كفى بالله شهيدا فرضي بك وإني جهدت أن أجد
مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر وإني أستودعكها فرمى بها في البحر حتى
ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا
يخرج
إلى بلده فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله فإذا
الخشبة التي فيها المال فأخذها لاهله حطبا فلما نشرها وجد المال والصحيفة
ثم قدم الذي كان أسلفه وأتى بالألف دينار فقال والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي جئت فيه
قال هل كنت بعثت إلي بشيء
قال أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه
قال فإن الله قد أدى عنك الذي بعثته في الخشبة فانصرف بالألف الدينار راشدا
رواه البخاري معلقا مجزوما والنسائي وغيره مسندا
وأخيراً فهذا شيء يسير دندنا به حول هذه الآية – { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } من ضمن سلسلة حلقات – في رحاب آية - فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
وإلى لقاء آخر وآية أخرى وإلى أن ألقاكم استودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته