بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه، أما بعد:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الجـهل قريـــــــــن المعاصي
إن الجهل والانغماس في وحل الجهالة والجاهلية أعظم سبب وطريق إلى معصية الله، ولهذا كثيرًا ما يذكر الجهل في القرآن ويكون المراد هو نوع من المعاصي.
لذا قال قتادة رحمه الله: "أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كل ما عصي الله به فهو جهالة"، وقال غيره : "كل من عصى الله فهو جاهل".
إما بعدم العلم بالحق النافع وإما بعدم العمل بمقتضى ذلك العلم، ولهذا جاء وصفهم في القرآن أنهم ﴿ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ﴾ [النِّسَاء: 17]. أي جهل بمقام الله وقدره، أو جهل بنظر الله ومراقبته، أو جهل بعاقبة المعاصي وإيجابها لسخط الله، فهو جهل يقود إلى العصيان. ومن أمثلة ذلك: ما قاله بنو إسرائيل لنبيهم موسى عليه السلام حين أمرهم بأمر الله في ذبح البقرة فقالوا: ﴿ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ﴾ [البَقَرَة: 67].
فكان رد موسى عليه السلام عليهم أن قال لهم: ﴿ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [البَقَرَة: 67].
ولم يقل أعوذ بالله أن أكون من المستهزئين أو الساخرين.
كذلك الفواحش والمعاصي جميعها هي ضروب وأنواع من الجهل.
فهذا نبي الله يوسف عليه السلام حين دعته امرأة العزيز ومن معها من النسوة إلى الفاحشة فرد عليهن داعيا ربه قائلاً: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يُوسُف: 33].
أما العلم فهو بمثابة النور والهدى اللذين يمنعان المرء من اقتراف المحرمات والمنهيات، بل إن العلم باب من أبواب تعظيم الله وتوقيره، ومفتاح لفعل الطاعات.
وكان نبينا صلى الله عليه وسلم أعرف الخلق بالله لذا كان أخشاهم لله وأتقاهم، بل وأكثرهم إقبالاً على الله عبادةً وتضرعًا، وتوبةً واستغفارًا.
ولا غرو في ذلك أو غرابة فهو إمام العلماء والحلماء وقدوة العالمين والعارفين.
ومتى عرف العبد ربه وتعرف على أسمائه وصفاته؛ كأن يتعرف العبد ويستشعر أن الله سميع، يسمع ما نطق به العبد من قبيح الكلام، وبصير يبصر ما يعمله العبد من سيىء الأفعال، وأنه تعالى شهيد على العباد، رقيب حفيظ على أعمالهم في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى، حينها سوف يرزق العبد الشيء العظيم من خشية الله وهيبته كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فَاطِر: 28].
وهم العلماء الذين تعرفوا على الله فازدادوا له خشية، كما قال ابن القيم: "ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف".
فكل من كان بالله أعلم كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصي، والاستعداد للقاء من يخشاه، وهذا دليل على فضيلة العلم، فإنه داع إلى خشية الله، وأهل خشيته هم أهل كرامته، كما قال تعالى: ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ [البَيّنَة: 8].
ولما سأل نوح عليه السلام ربه أن ينجي ابنه الكافر من الغرق في الطوفان، عاتبه الله ووعظه وحذّره أن يكون من الجاهلين فقال جل وعلا: ﴿ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [هُود: 46].