الصبر علي الشدائد مقدمة للفرج:
إن الصبر علي الشدائد من شيم الرجال، و هو هذا الخلق الذي ميز الإنسان عن
سائر المخلوات لما يحسه المرء من قيمة الصبر وفضيلة التحمل...
تعريف الصبر: هو الإمساك في ضيق أو حبس النفس لمصيبة ,أو شدة علي ما يقتضيه العقل والشرع.
ومعني حبس النفس أي ضبطها فهو عبارة عن ضبط النفس عند حدوث مكروه ضمن الضوابط الشرعية0 والمرء لم يخلق إلا للابتلاء قال تعالي:(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك:2).
تعريف الشدائد: فهي كل ما يقع بالإنسان مما لاتتمناه نفسه وينأي بها عنه كالأمراض والخوف والمجاعات والمهالك ،فهذا من الشدائد المادية الدنيوية.
ومنها الشدائد الدينية:
كتحمل المشاق في العبادات البدنية، وتمعر الوجه لرؤية المحارم واستباحة
الأعراض والدماء،والفساد في الأرض:والعدوان علي ديار الإسلام يقول تعالي: ([color=green]وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ
وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين الَّذِينَ إِذَا
أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِم ْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة:155-157)color]
منهج الإسلام في الصبر علي الشدائد:
إن الشدائد جزء من قدر الله تعالي ولا سبيل لمواجهتها إلا بالصبر والتدبر
في حكمتها وإزالة آثارها وفي الحديث:"عجبت لأمر المؤمن إن أمره كله خير
وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراََ له وإن أصابته
ضراء صبر فكان خيراََ له " رواه أحمد وابن حبان.
المصائب مكفرات للذنوب:
فهي لا ترمي المؤمن عبثا فهي مقدرة وفيها حكمة كما أنها كفارة للذنوب،قال تعالي: (مَا
أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي
كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)
(الحديد:22) ,وفي الحديث:" ما من مسلم يصيبه أذي من مرض فما سواه
إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها ",وقد تكون لرفع درجته عند
الله تعالي.
ليس الصبر هو مجرد التحمل بلا رغبة في ثواب الصبر أو حرص
عليه،لا فهذا جمود وكثيراََ ما ذكر الصبر مع الاحتساب وهو ما يميز صبر
المؤمنين عن صبر غيرهم وفي الحديث القدسي:"من أذهبت كريمتيه(يعني عينيه) ثم
صبر واحتسب كان ثوابه الجنة"رواه البخاري ,فالاحتساب هو من جملة الصبر
الذي عناه الإسلام ودعا إليه.
الاحتساب :هوالصبر مع استحضار العبد ما وعد الله به الصابرين من الثواب.
تذكر عاقبة الجزع وعدم التصبر:فإلي أين سيذهب الإنسان بجزعه وهل سيخرج عن
ملكوت الله تعالي وسلطانه والطريقة المشروعة لهذا الرضا الصبر والاحتساب
فلن تزول الشدائد بالجزع وفي الحديث:"إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن صبر
فله الصبر،ومن جزع فله الجزع"0رواه أحمد ورواته ثقات.
كل ما يقع
للمؤمن قليلا كان أو كثيراََ لا يغيب عن ربه تعالي ويكافئه به0وفي
الحديث:"ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا
كفر به من سيئاته"رواه مسلم .أرايت كيف أن هذه الشدائد صغرت أم كبرت إنما
وقعت لحكمة وبقدر ولا يفرج هذه الشدائد إلا الله عز وجل ،قال تعالي:(أَمَّنْ
يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ
خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)
(النمل:62) .
نماذج عملية للصبر أعقبها الفرج:
* صبر يعقوب عليه السلام رد عليه ولده يوسف عليه السلام
* صبر أم سليم الأنصارية:عن أنس قال: "مات ابن لأبي طلحة من أم سليم فقالت
لأهلها لا تحدثوا أبا طالحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه ،فجاء فقربت إليه
عشاء فأكل وشرب ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها،فلما رأت
أنه قد شبع وأصاب منها قالت:يا أبا طلحة أرأيت أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل
بيت وطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال:لا، قالت فاحتسب ابنك فانطلق حتى
أتي رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخبره بما كان فقال:بارك الله لكما في
غابر ليلتكما"رواه أحمد وهو صحيح ,فوضعت غلاما سماه النبي صلي الله عليه
وسلم عبد الله بن طلحة ورزق عبد الله بعشرة من الأولاد كلهم يحفظ القرآن
واستشهد عبد الله بن طلحة في فارس.
* صبر خباب بن الأرت: فعن خباب بن
الأرت قال: أتينا رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو في ظل الكعبة متوسداََ
بردة له فقلنا يا رسول الله تدع الله تبارك وتعالي لنا ألا تستغفره لنا
فاحمر لونه أو تغير فقال:لقد كان من كان قبلكم يحفر له حفرة ويجاء بالمنشار
فيوضع علي رأسه فيشقه ما يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون
عظم ولحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمن الله تبارك وتعالي هذا الأمر
حتي يسير الراكب ما بين صنعاء إلي حضر موت لا يخشى إلا الله تعالي والذئب
علي غنمه ولكنكم تعجلون"رواه البخاري.
* الجارية السوداء: روي الإمام
مسلم بسنده عن عطاء بن أبي رباح قال:قال لي ابن عباس ألا أُريك امرأة من
أهل الجنة قلت بلي،قال:هذه المرأة السوداء أتت النبي صلي الله عليه وسلم
قالت:إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي قال:إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت
دعوت الله أن يعفيك قالت أصبر قالت:فإني أتكشف فادع الله ألا أتكشف فدعا
لها ".
* صبر المسلمين الأوائل في مكة وهجرتهم إلي الحبشة ثم هجرتهم
إلي المدينة مع النبي صلي الله عليه وسلم لإقامة دولة الإسلام إن في ذلك
دروساََ:
* صبر علي ترك الوطن فما أسرع الرجوع اليه.
*صبر علي الظلم والعدوان.
* صبر علي الشدائد المادية والمعنوية أعقبها فتوحات وانتصارات.
*
نشر الإسلام في ربوع العالمين فمن كان يظن أن هذه الفئة القليلة المستضعفة
تفتح الدنيا وتدك مدائن كسري وتهزم الرومان وما ذلك كله إلا ثمرة للصبر.
*الابتلاء علي قدر الطاقة والطاقة الإيمانية أوسع وأعظم أنواع الطاقات وعلى قدرها قوة وضعفا ينزل البلاء.
الدعاة في مواجهة الشدائد:
من صبر الأنبياء عليهم السلام وأصحابهم نستمد الصبر إن الداعية هو من أكثر
الناس عرضة لها فهو بشر تجري عليه المقادير وهو في دعوته كمن يمشي علي
الأشواك وهو بين محب ومبغض حاسد فليختر من العبارة ما يسهل علي الناس فهمه
ويبلغ رسالة الإسلام دون غموض أو افتتان0 والداعية هو وارث النبوة الأمين
علي الوحي فلئن نال الأنبياء كيد وشدة وابتلاء فكذا الدعاه ,وفي الحديث " أشد
الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلي المرء علي حسب
دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة خفف عنه وما
يزال البلاء بالعبد حتى يمشي علي ظهر الأرض ليس عليه خطيئة " رواه أحمد
والنسائي والحاكم وقال الترمذى حسن صحيح.
وللداعية في الأنبياء
أسوة، فكم تعرض الأنبياء للبلاء بأنواعه:القتل – المرض – الخوف – النفي من
الوطن – التجويع والحصار – موت الأحبة وقد نزلت كلها بنبينا صلي الله عليه
وسلم إلا القتل فقد عصمه الله تعالي منهوكم تعرض الدعاة لهذه البلايا
فصبروا فتحقق الفرج قال تعالي: (وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ
فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ
الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ
لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) (إبراهيم:13-14)
وقضية
الإسلام قضية عادلة إنها دعوة البشرية إلي الإيمان بالله تعالي وتوحيده وقد
اتضحت معالم هذه الدعوة ولا بد من بلوغها أهدافها فالمبشرات كثيرة ولا
سبيل إلي النصر إلا بالصبر.
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
وقال تعالي: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) (محمد:31) =
فالدعوة دائمة مبتلاه لأنها في جهاد دائم مع المبطلين والأمة المسلمة كذلك
مبتلاه ولن ينكشف هذا الكرب إلا بمزيد من الصبر الجميل,وقد أحاط الله
تعالي بأبنائها فيسر لهم سبل النجاة وأتاهم الفرج من حيث لم يحتسبوا قال
تعالي: ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ
وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ
نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ )
(يوسف:110)