موضوع: الـجـــنـــــيــــة الخميس ديسمبر 23, 2010 4:01 pm
اسمها حكــاية الجنية .. كما يروق لغازي القصيبي أن يسميها
ليتجنب تقعّر النقّاد، أو نقد المتقعّرين على حد تعبيره.
تدور أحداث الحكاية حول شاب سعودي اسمه ضاري ضرغام الضبيّع أو كما ينادونه أصدقاؤه ( ض ض ض ) من أسرة متوسطة الحال يعيش مع أهله في الخبر، أنهى دراسته الثانوية في مطلع الستينات الميلادية وحصل على بعثة دراسية من شركة أرامكو لدراسة علوم النفط في أميركا.
بعد نهاية السنة الأولى اكتشف أن ميوله بعيدة كل البعد عن علوم النفط، وقرر تغيير تخصصه إلى العلوم الإنسانية، طبعاً كان له ما يريد فهو مبتعث من قبل أرامكو وليس من قبل أي جهة حكومية.
أنهى عامه الأول والثاني على نحو مميز وقرر أن يقضي الإجازة عند أهله في الخبر، وكان خط السير يمر -بالصدفة أو عن قصد الله أعلم- على العاصمة المغربية الدار البيضاء وينتظر هناك لمدة أربعة أيام.
بمجرد نزوله من الطائرة كان يبدو بوضوح أنه تائه، اقتربت منه إحدى المضيفات الأرضيات، شابة في مقتبل العمر لها نظرة أخاذة وابتسامة فاتنة أشعرته بالدفء، وسرعان ما تكونت بينهما صداقة وإعجاب متبادل.
كانت المغرب في تلك الحقبة أرضاً بكراً لم تطأها أرجل السياح الخليجيين.
أخذتها فاطمة الزهراء -هذا اسمها- إلى فندق في وسط المدينة وتكفلت بدور المرشدة السياحية له خلال إقامته القصيرة، وفي اليوم الأخير كانت قد اتفق معها على أن توصله إلى المطار وتعود إلى أهلها لتخبرهم برغبتها بالزواج من الشاب السعودي ( ض ض ض ) بينما هو سيخبر أهله برغبته حالما يصل إلى الخبر.
عاد ضاري إلى الخبر وهناك جوبه بالرفض الشديد جداً من أهله حتى أنه قرر نسيان الأمر وأخذ يفكّر في طريقة لإخبار فاطمة بالأمر، فأرسل لها برقية - كانت المكالمات الدولية معقدة جداً في ذلك الوقت- يخبرها بموعد قدومة.
في آخر ليلة له في الخبر رأى في المنام أن فاطمة الزهراء تموت بسبب انفجار الزائدة الدودية في بطنها ورأى قبرها، ورأى سور المقبرة التي دفنت بها.
لازمه هذا الكابوس حتى بعد أن صعد إلى الطائرة المتوجهة إلى الدار البيضاء، أخذ يتخيل أنه سينزل في المطار وسيبحث عنها دون جدوى، أو ربما سيقابل أباها عند سلم الطائرة وسيعزيه في موت خطيبته.
وصلت الطائرة وفتح الباب ، وتعاقب الركاب على السلّم وضاري متردد يقدم رجلاً ويعيد أخرى، أخيراً حزم أمره واندفع خارجاً، ويالفرحته حين وجدها في انتظاره بابتسامتها الرائعة تمسك بسلم الطائرة.
صافحها واندفعا إلى السيارة التي تنتظرهما، ولكن هذه المرة لم تتوجه إلى الفندق كما كان يظن .. بل توجهت إلى منزل في إحدى ضواحي المدينة، توقفت السيارة هناك وأخبرته فاطمة بأنها جوبهت برفض أهلها للفكرة قطعياً، وأن هذا المنزل لخالها الذي قرر أن يساعدها على الزواج بمن تحب.
جلس ضاري على أريكة واسعة في الصالون وأحضرت له فاطمة عصيراً ليشربه ثم صعدت السلّم إلى الأعلى، وما هي إلا دقائق حتى عادت تلبس فستان الزفاف الأبيض وبرفقتها أربعة رجال تبين فيما بعد أن أحدهم هو خالها والآخر كاتب العقد وشاهدا الزواج.
هكذا وبسرعة تم كل شيء وخرج الجميع وبقي معها يقلّب ناظريه يميناً ويساراً وقد تعطلت كل حواسه!
قال لها بارتباك واضح: فاطمة، أنا لا أعرف ماذا أقول ولا ماذا أفعل، سامحيني فأنا " غشيم ".
قالت له مبتسمة: لا عليك، تعال معي إلى الحمام.
هناك بدأ يغيب عن واقعه تحت وطأة لمساتها الساحرة، شعر وهي تدلّك ظهره وكأنها تخرج منه أشياء كانت تثقله، ثم أخذ يغفو، ثم ودون أن يعرف كيف وجد نفسه في غرفة تزهو بالعطر والأزهار متناثرة على السرير ، وغابا عن الدنيا معاً.
بعد أسبوع وهو يركب إلى جوارها متجهين إلى المطار، مرت السيارة بجوار سور طويل، ضاري يذكره جيداً, هو نفسه الذي رآه في ذلك الكابوس المزعج.
التفت إليها وقال: فطوم، هذي المقبرة؟
قالت: نعم حبيبي.
أراد أن يخبرها بذلك الكابوس الذي رآه في الخبر. ولكنها بطريقة جميلة غيرت مجرى الحديث.
أوصلته إلى باب الطائرة، دنت منه وقبلته، ثم همست في أذنه، ضاري أنا آسفة لأنني انتحلت شخصية فاطمة الزهراء الله يرحمها، فاطمة ماتت بسبب انفجار الزائدة الدودية في بطنها، ودفناها في المقبرة التي مررنا بقربها قبل قليل.
ثم دست بيدي ورقة صغيرة مطوية وقالت: إذا أردت أن تراني، أحرق هذه الورقة.
وانصرفت دون أن تلتفت!
بقي ضاري قابضاً على الورقة طوال الرحلة، لم يجرؤ حتى على فتحها وقراءة ما فيها.
لم يفتحها إلى بعد يوم ونصف، حينما وصل إلى شقته في أميركا.