التاريخ والقرآن
في
العودة الى كتاب الله ، القرآن هذا الكتاب الكامل ، والذي يصلح لكل زمان
ومكان. يقول فيه عز وجل ( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفغ الناس فيمكث
في الارض). دعونا نبحر في اعماق هذه الاية العظيمة، ونتدبر معانيها ، حتى
لانمر عليها كما يمر معظم الناس ،لإن فيها أعظم قا نون آلهي له الصلاحية
منذ خلق البشر، وجعلهم مخلوقات أنسانية تفكر وتتدبر،هذا القانون له
استمرارية حتى يوم الدين. وحتى نقف على حقيقة هذا المبدا الآلهي. لابد لنا
من العودة الى التاريخ. لأن التc;اريخ هو مصدر المعرفة، رغم قناعة الناس أن
الله هو مصدر المعرفة ، لكن الله رد الناس في كتابه القرآن الى التاريخ
لمعرفة الصواب من الخطأ. والتاريخ لا يراعي أهوائنا وصورنا الذهنية ، بل
يسير منفصلاً عنها. وخطر ببالي قول للسيد المسيح الذي أجاب سأليه : كيف
يمكن معرفة الانبياء الكذابين فاجابهم ( من ثمارهم تعرفونهم) ,ثمارهم
موجودة ومحققة في التاريخ.لهذا فإن مصادر المعرفة بالنسبة لنا ، هي القرآن
والتاريخ. والقرآن في الحقيقة يستشهد بالوقائع، ثم يجعل الوقائع تشهد على
النص. فالأولوية للوقائع وليست للنصوص. لهذا يأمرنا الخالق بالرجوع الى
التاريخ ،لأن التاريخ يحمل الاحداث، ولكن علينا أن ننتبه الى أن الاحداث أو
الوقائع التاريخة يجب النظر إليها من خلال العواقب،لأن الاحداث التاريخية
تحمل الزبد ،وتحمل ما يفيد الناس، لهذا لابد من أن نحاكم النص القرآني الى
التاريخ (الاحداث) ومن ثم النظر الى عواقبها ، خيرا أو شرا ، لكي نعتبر
ونتزود للحاضر والمستقبل.
وحتى لانكون في اسر التاريخ فقط ،فلا بد لنا
أن نعلم أن الاسلام كحقيقة يرتبط بالواقع والمستقبل أيضاً. الاسلام ليس ما
قام به السلف في الماضي. بل مايمكن أن يقوم به الخلف في المستقبل أيضاً.ومن
هنا نستنتج أن الاسلام ليس نصوصاً فقط تقرأ ويتغنى بها، إنما هي وقائع
ممتدة ،تتحدى المستقبل بقوله عز وجل( سنريهم أياتنا في الافاق وفي انفسهم
حتى يتبين لهم أنه الحق). وهذا الاعتقاد يصطدم مع افكار السلفيين، الذين
يريدون إعادة التاريخ الى الوراء ، دون أن يعلموا أن عجلة التاريخ لن ،ولن
تعود. وهذا ما يطرحه اهل القرآن ، ويحذرون من عواقب الدعوات السلفية التي
أوصلت الامة الى ادنى مايمكن أن تصل إليه في سلم الحضارة الانسانية. ومع
ذلك فأن المستقبل برأي مضيء ، ولدى الاسلام ماسيقدمه للبشرية في حال فهم
المسلمين أن العودة الى كتاب الله ، هي العودة الى التاريخ ،لأخذ العبر
,واخذ ما ينفع الناس لإن الزيد سينتهي حتما مهما طال الزمن . وهذه العبرة
تعلمناها من التاريخ . قال الشيخ جودت سعيد مقولة أعجبتني جدا
( إنه
لشيء ممتع أن نقارن بين من يرى الكون شيئاً قاراً ثابتاً، ومن يرى الكون
متحركاً يخلق فيه زيادات في الخلق والفهم والتسخير، إنه شبيه بالصورة
الجامدة ( السلفيون ،وأصحاب النقل بدون العقل) والصورة المتحركة ( أهل
القرآن) ودخول الحركة في الصورة خلق، أدخل في حياة الانسان تسجيل الحركة ،
فكانت الحركة والتغير، فمن هنا كان من أقوال إقبال ( الثابت في الخلق هو
التغير فقط) المفاهيم تتغير،والدليل هوالشمس المتلألئة في كبد السماء.هذا
البحث بدأ ولم ينتهي ولن ينتهي،وإنما نرجوا أن نقترب فيه الىالنافع الذي
سيبقى ويمكث في الارض، وأفضلنا من قدم ما يرسخ ويدفع بالنافع الى الأمام،
فهل في سعينا نحن أنا وأنت شيء من ذلك).
إن البعض يتهم أهل القرآن
بانهم ينكرون التاريخ. هذه المقولة لا أساس لها من الصحة نحن نرفض الاوهام
التي امتزجت بالتاريخ، نحن نرقض الزبد الذي سينتهي حتماً. لكننا نؤمن أن
الذات الانسانية لا تتقدم إلا بالوقوف على التاريخ ، أي على ما تراكم من
جهود السابقين، لأن الذي يعتقد أنه سيبدا من الصفر فهو مخطئ ، وحتى أدم
عليه السلام لم يبدأ من الصفر فقد علمه الله الاسماء كلها ،فكانت بالنسبة
له التاريخ القريب الذي استند عليه في الاستمرارية. ونحن لانحرم أنفسنا
واجيالنا من الاستفادة مما تعب فيه الاباء والاجداد. هذا في الحقيقة في
العودة إليه يوفر لنا الجهد ويوفر لنا الامكانية في ابداع الجديد للخلف.
نحن لاندعي أننا لم نستفد منهم . لأن الجهد الذي قدموه هو التاريخ القريب
بالنسبة لنا. هو الحدث والعبرة.
صحيح أنه في تاريخنا القريب ، ومع كل
الاسف مازال البعض يركز على الخوارق والمعجزات في نشر الاسلام. ونحن نعيب
على هذا الاسلوب ، لأن التاريخ علمنا أنه من خلال النصوص القرآنية أن علينا
أن ننقل العالم من قانون الخوارق الى قانون السنن ( ختم النبوة والرسالة)
.وفي العودة الى قانون السنن الذي ينادي به أهل القرآن ، يجعلنا نشعر أننا
مازلنا وسنبقى حاملين رسالة الى العالم. قادرة على التحدي الحضاري ،وتحدي
الرهان. ورفض الاستسلام. والله أعلم.