الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فكم هي كثيرة فضائل صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-!
وكم هو عظيمٌ جميلهم على من جاء بعدهم!
وجماع ذلك أنهم آمنوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونصروه وجاهدوا
بأموالهم وأنفسهم ليحملوا النور إلى أهل الأرض جميعاً في زمانهم، وليحفظوه
لمن جاء بعدهم كما قال -تعالى-: {فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157].
ولقد كان جهاد الصحابة -رضي الله عنهم- في ميدان الحجة والبيان جنباً إلى
جنب مع جهادهم في ميدان السيف والسنان، وفي كلٍ كان لهم اليد الطولى على من
جاء بعدهم ممن انتفع بجهادهم، وإن كان بعضهم أكثر عطاءً في أحد الجانبين
عن الآخر، فيبرز في جانب جهاد السيف والسنان أسماء كثيرة يأتي على رأسها
بالنسبة لأهل مصر والشمال الإفريقي كله عمرو بن العاص -رضي الله عنه- الذي
أخرج الله على يديه مصر من الظلمات إلى النور.
ويبرز في الجانب حفظ العلم ونقله كثير من الصحابة، ومنهم المكثرون من
الفـُتيا، ومنهم المكثرون من الرواية، ومعظم المكثرين من الرواية كانوا
غلماناً في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومنهم من اشتغل بخدمة النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنس بن مالك وأسامة بن
زيد وأبي هريرة -رضي الله عنهم أجمعين-، مما أعطى لهم فرصة كبيرة ليحفظوا
عن رسول الله ويعوا.
وهؤلاء منهم من كفلته أمه كأنس -رضي الله عنه- ليتفرغ لخدمة النبي -صلى
الله عليه وسلم-، ومنهم من تحمل عن طواعية واختيار ألم الفقر ومرارة الجوع،
يشبع حيناً ويجوع أحياناً كأبي هريرة -رضي الله عنه-.
ولقد حفظت الأمة جيلاً بعد جيل جميل هذا الجيل الأول امتثالاً لأمر الله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:10]، وامتثالاً لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»
[رواه البخاري]، واعترافاً بالجميل لهم، فبجهادهم انتشر الإسلام فدخلنا
فيه بفضل الله، وبعلمهم حفظ الدين فعلمناه وعملنا به - بفضل الله تعالى-.
وإذا كان الكفار يظهرون العداوة لدين الله جملة وتفصيلاً، مما يجعل أمرهم
واضحاً لكل ذي عينين، فإن الشيطان قد أوحى إليهم أن يتخذوا من بني جلدتنا
وممن يتكلمون بألسنتنا من يزعم حب النبي -صلى الله عليه وسلم- بينما يسب
صحابته وحملة شريعته.
ظهرت هذه الجريمة النكراء أول ما ظهرت على يد الشيعة ثم تلقفها منهم العقلانيون، القدماء منهم والمعاصرون.
ولا ندري كيف يصلي هؤلاء، وكيف يزكون، وكيف يصومون ويحجون! وهم في كل ذلك
مفتقرون إلى علم هؤلاء الصحابة الكرام الذين لا تُعرف سنة النبي -صلى الله
عليه وسلم- إلا من طريقهم، ولمَّا انتبه بعض هؤلاء إلى أنه يلزم من قولهم
هدم السنة بالكلية، بل وهدم القرآن أيضاً - فهو لم يصل أيضاً إلا عن
طريقهم-، عمدوا إلى مهاجمة بعض الصحابة دون بعض، وخصوا بالهجوم المكثرين من
الرواية من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأبي هريرة -رضي الله
عنه-.
وكان لهذا الأثر البالغ في تخفيف وقع الجريمة على كثير من عوام المسلمين مع
أن المحصلة واحدة لمن تأمل، ولك أن تتخيل أي باب من أبواب الفقه إذا
أخليته من مرويات أبي هريرة مثلاً ماذا سيكون حاله؟!
وبمناسبة شهر رمضان المبارك لاسيما وأن جميع المسلمين خواصهم وعوامهم
يهتمون - بفضل الله تعالى- بأحكام وفضائل هذا الشهر الكريم، فإليك طائفة من
مرويات أبي هريرة -رضي الله عنه- في فضائل العبادات في شهر رمضان، لم نقصد
بها الاستيعاب، بل التمثيل بما اشتهر على ألسنة العامة والخاصة، ولم نتطرق
فيها إلى أبواب الأحكام لأن هذا الأمر يطول، وفي باب الفضائل غنية وكفاية
لمن أراد أن يتذكر ويتعظ:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري].
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري].
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري].
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال الله -تعالى-: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به...» [رواه البخاري].
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين» [رواه مسلم].
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» [رواه مسلم].
ومن تدبر في هذه الأحاديث وجد أنها كانت هي الحادي الذي حدا بعامة المسلمين
في شهر رمضان فشمروا عن ساعد الجد صياماً وقياماً والتماساً لليلة القدر.
فكم لأبي هريرة من جميل في أعناق جميع المسلمين على مر العصور! عرف ذلك من
رزقه الله نفساً وفـِيَّة تعرف الفضل لأهله، فرأوا أن أقل ما يردون به فضل
أبي هريرة -رضي الله عنه- وغيره من الصحابة هو أن يترضوا عنهم لاسيما عندما
يسمعون ذكرهم، وخاصة عندما يأتي ذلك الذكر في معرض رواياتهم لسنة النبي
-صلى الله عليه وسلم-.
بينما بقي أصحاب النفوس الدنيئة المتمردة الجاحدة للفضل يعوون وقافلة
الإيمان تسير يتقدمها ذلك الركب الجليل من صحابة النبي -صلى الله عليه
وسلم-، فاللهم احشرنا في زمرتهم، اللهم آمين.