واستناداً إلى ذلك فيمكن تأكيد أن الله عز وجل خاطب سيدنا موسىعليه السلام بالعربية الفصحى و إن تكلم اللهجة الكنعانية العامية مع أبناء قومه و إن كانت في الأصل موجودة في تلك الحقبة الزمنية... هذا بجانبأنه وعند الرجوع إلى النسيج اللغوي بمصر القديمة ومدينة مدين يتضح الآتي:
أولاً:
معروف أن الطفل يتعلم اللغة من البيئة التي نشأ فيها وكذلك المهاجروالوافد لا بد أن يتحدث بلغة الشعب الذي هاجر إليه أو اندمج فيه. عاش سيدنا موسى عليهالسلام في مصر القديمة وتحديداً في زمن آخر فراعنة مصر القديمة التي كانت في ذلكالوقت تتحدث اللغة المصرية القديمة سواء العامية منها أو العربية الفصحى التي هينفسها اللغة المنطوقة للشعب مصري منذ العهد الفرعوني القديم وحتى العهد الحديث. واللغة المصرية هي من اللغات الحية التي لم تمت في التاريخ البشري وأكثر لغاتالأرض حياة وحيوية نظراً لتعاقب الحضارات المختلفة على مصر التاريخ والحضارة.
فكلمة بص بالمصرية القديمة والحديثة والتي تعني انظر أو شاهد هي في الأصل كلمة عربية اشتقت من البصر. الكلمات المصرية هي عربية تتبع ما يُعرف بالقطع باللغةالعربية، وعليه يمكن التأكيدعلى أن موسى عليه السلام كان يتحدث في بداية حياتهبلسان أهل مصر لأنه عاش معهم منذ ولادته وكان رسولاً يحمل رسالة إلهية ولا بد أنيحمل رسالة الدعوة والتبليغ لأهل مصر وفرعون باللغة المتداولة في ذلك المكان والزمان باعتبارها لغة القوم الذي عاش وتعامل وتخاطب معهم.
ثانياً:
كان بمصرالقديمة ولا يزال الأقباط وكانت الكتابة السائدة عند الأقلية القبطية بمصر القديمةآنذاك هي الهيروغليفية وبالرجوع للموسوعات التاريخية فإن أصل كلمة (هيروغليفي) مشتقة من الكلمتين اليونانيتين (هيروس) Hieros و(جلوفوس) وGlophosالمقدستين حيثإنها كانت تستخدم للكتابة على جدران الأماكن المقدسة مثل المعابد والمقابر.. كما أنالهيروغليفية كانت عبارة عن كتابة منقوشة تتم علىالأحجار بأسلوبي النقش البارز أوالغائر على الجدران الثابتة وعلى الآثار المنقولة مثل التماثيل واللوحات والصلاياتوتتكوَّن الكتابة الهيروغليفية منمجموعة من النقوش المستمدة من الحياة اليومية فهيكتابة تصويرية.ولا يضاهي الهيروغليفية في القدم سوى الخط المسماري الذي ظهر فيبلاد النهرين وهو أقدم خط رمزي وليس أقدم خط حرفي ويجب التفريق بين الخط بأنواعهالرمزي والحرفي وبين اللغة والمحادثة التي سبقت التدوين والكتابة، فأسبقية الخطوبخاصة الخطوط الرمزيةلا تعني أسبقية في اللغة،وبالرجوع إلى النقوش اليهودية بمصروالمخطوطات الأولى يتضح أنها كانت بالهيروغليفية لا العبرية وتُعد تلك الآثار والمخطوطات والنقوش الإرث الأوللثقافة وحضارة اليهود. ثالثاً:
عندما خرج سيدنا موسىعليه السلام من مصر إلى مدين التي عاش فيها عشر سنوات إيفاء بالعهد الذي قطعه معشعيب عليه السلام وتزوج إحدى بناته معلوماً لأن شعيب عليه السلام كان عربياً وهناكحديث شريف مفاده (وأربعة من العرب: هود وشعيب وصالح ونبيك يا أبا ذر])... وعليه تحدث سيدنا موسى عليه السلام العربية هناك باعتبارها لغة شعيب وقومه.أما عن بني إسرائيلالمتواجدين بمصر منذ زمن يوسف عليه السلام عندما أتى بإخوته وأبويه إلى مصر وعاشوافيها مكوِّنين الأسباط الاثني عشر لبني إسرائيل فينطبق عليهم ما ينطبق على المهاجروالوافد الذي لا بد أن يندمج مع النسيج اللغوي للمجتمع المصري القديم والحضارة الفرعونية فيه ويتحدث لغة المجتمع الذي يعيش ويتعامل معه وهي اللغة المصرية القديمة.
هذا ويلاحظ تأثير اللغة المصرية على المصطلحات والأبجدية العبرية،ونرى كيف أن أبجدية اللغة العبرية (اليهودية) مستمدة في الأصل من أصوات الحروفالمصرية القديمة حتى إن حرف (ج) بالعبرية يُنطق كما ينطق المصريون اسم (جمال).. وبينما تتكوَّن اللغة العربية من 28 حرف هجاء تتكوَّن العبرية الحديثة من22 حرف هجاء كما يلي:
ألف بيت جيمل دالت هه واف زاين حيت طيت يود كاف خاف لمد ميم نون ثمخ عاينفه صدق قوف ريش شين سين تاف أل. (
اللغة العبرية الحديثة هي مشتقة من اللهجات السوفياتية – القوقازية و الروسية- و بنفس عدد أبجديتهم الـ 22 فلم تعد لا كنعانية و لا سامية و مثلا لا تنطق باء و لا الـ ـيـ B = V و I=O
فيقولون أفراهوم و أفراهام و ليس إبراهيم و هم يهود غير عبرانيين بل يهود سفارد و يهود أشكيناز من أوروبا الشرقية و أسروا الى غرب أوروبا و منهم الى اسبانيا ثم رجعوا الى البلقان و تركيا ... و هم اليوم سكان ما يسمى اسرائيل – و لهذا السبب يدعون اليوم لقيام دولة يهودية و ليس عبرية ؟!) حتى و إن حافظ بنو إسرائيل من ذرية سيدنا إسحاق عليهالسلام على لهجتهم الأساسية فهي تاريخياً تُعد كنعانية، وعليه فلغة سيدنا موسى كانت اللهجة الكنعانية (الكلدانية العربية ) وهي العربية القديمة.
الكنعانيون همأصل العرب والسكان الأصليون في الشرق الأدنى أي من شمال سوريا حتى سيناء جنوباً و الصحراء السورية شرقاً أي فلسطين والأردن (تكلموا الآرامية العربية) و سوريا و لبنان, وكانوا يتحدثون هم والمهاجرونوالوافدون اللغة العربية لكن بلهجات مختلفة لا تختلف عن اللهجات العربيةالحالية كثيراً وهذاهو بالتأكيد لسان أم موسى التي أرضعت ابنها بقصر فرعون عندمارفضت المرضعاتوهو لسان النبي شعيب وبناته بمدينة مدين.
خلالتلك الحقبةالزمنية الممتدة سنوات والتي عاشها سيدنا موسى في مدين مع زوجتهابنة سيدنا النبي شعيبعليهما السلام بالتأكيد تحدث اللغة العربية وتغلب الكنعانية (الآرامية) لغوياً واجتماعياً على النسيج المكوِّن لشخصية سيدنا
موسى عليه السلام.
وعرفتالأبجدية الكنعانية (العربية) باسم أبجدية الأوغاريتية ورُتبت حسب الترتيب
الآتي: أبجد، هوز، حطي، كلمن،سعفص، قرشت........., أنظر تنقيبات رأس شمرا شمال سوريا, و ماري ما بين النهرين.وعليه يمكن حسم إشكالية هوية اللغة في خطاب التبليغ الإلهيوالدعوة خصوصاً أن العلماء والمؤرخين قد أسهبوا في تدوين ونشر جغرافية التوراة ولم يعطوا دراما اللغة الحق الكافي بالبحث والتدوين.
ومن أجل التلخيص.. يتضح وبالاستناد إلى جغرافية التوراة والنسيج اللغوي المكون لشخصية سيدنا موسى عليهالسلام إتقان موسى عليه السلام المصرية القديمة في مصر التي تُعد إحدى اللهجاتالعربية وإتقانه للعربية الكلاسيكية في مدين التي اشتد وصلب فيها عوده عندما تزوج ابنة شعيب عليه السلام وعاش عشر سنوات.
بعدها
خرج في رحلة العودة إلى مصرواصطفاه الله من البشرية لحمل الرسالة وكلمة الله عز وجل باللغة العربية دون سائرأنماط اللغات الأخرى بتلك الحقبة الزمنية إذ لم تكن اللغة ( اللهجة) العبرية موجودة فرضياًومنطقياً في عملية
الحِراك الاجتماعي أو النسيج اللغوي.
وحتىعند الاطلاع علىسفر التوراة يُلاحظ عدم ورود كلمة عبرية إطلاقاً وكانت الإشارة إلى اللغة تأتي تحتمسمى لغة كنعان، التي ترجع جذورها إلى اللغة العربية باتفاق العلماء رغم اختلاف مشاربهم على عروبة لغات العالم. ويبقىللتذكير... بتوجب مراجعة أسماء العلم التوراتية التي يتضح منها جميعاً أنها أسماء لها معانٍ عربية باللغة العربية الفصحي و منها, كمثال ليس للحصر: ابراهيم, سارة, هاجر(إبنة فرعون-زوجة سيدنا ابراهيم), اسماعيل, اسحق, يعقوب ... عيسى, و الأسماء المركبة في سفر العدد... و أن على علماء اللغةالعربية وخبراء اللسان العربي مسؤولية البحث والتدوين خصوصاً أن اللغةالعربية هيأصل لغات العالم أجمع, (أنظر موضوع رقم 009 اسمعيل اسرائيل عمانوئيل انجيل و فيها تفاصيل الأسماء العبرية المركبة و أنها ذات معاني عربية فصحي...)ومن الخطأ الفادح عدم تفعيل حركةالنشر والتأليف في ذلك وعمل القواميس العلمية التي توضح وترجع جذور مختلف اللغاتإلى اللغة العربية التيتُعد بمثابة لسان الألسنة، فالتراث العربي يبحث عنمطالبين.. وسيترتب على تلك البحوث الكثير.