ثمن المعالي الجد ، والفتور داء أَمَرّ من السلوة ، أفي عينيك آيات وآثار إذا ما بَرَد القلب فما تُسخنه النار ، الوجود بحر والعلماء جواهره والزهاد عنبره والتجار حيتانه والأشرار تماسيحه والجهال على ظهره كالزبد ، لو كشفت لك الدنيا ما تحت نقابها لرأيت المعشوقة عجوزا وما ترضى إلا بقتل عشاقها وكم تدللت عليهم بالنشوز أذاقتهم بَرْد كانون الأماني وإذا هم في وسط تموز ، تطلب مشاركة الغانمين وما شهدت الحرب تحل الغنيمة لمن شهد الوقعة ، البلايا تظهر جواهر الرجال وما أسرع ما يفتضح المدعي :
تنام عيناك وتشكو الهوى ... لو كنت صبا لم تكن هكذا
يا مؤثرا ما يفنى على ما يبقى هذا رأي هواك فهلا استشرت العقل لتعلم أنْصَحهما لك ، لا تحقرن يسير المعصية كالعشب الضعيف يفتل منه حبال تجر السفن ، أو ما نفذت في سد سبأ حيلة جرد العمر ثوب غير مكفوف وكل نفس خيط يسل منه ، أنت أجير وعليك عمل فأخر ثياب الراحة إلى انقضاء العمل ، كم غرقت سفينة في بحر شوق ساروا وما يسألون ما فعل الفجر ولا كيف مالت الشهب عودهم هجرهم مطالبة الراحات أن يظفروا بما طلبوا ، الشجاع يلبس القلب على الدرع والجبان يلبس الدرع على القلب ، أعظم البلايا تردد الركب إلى بلد الحبيب يودعون الدمن :
نالوا السماء وحطوا من نفوسهم ... إن الكرام إذا انحطوا فقد صعدوا
ـــــــــــــــــــــ
بدائع الفوائد
للإمام / ابن قيّم الجوزيّة - رحمه الله تعالى -